'ولدي فائق الذكاء ودرجاته في المدرسة
عالية جدًّا' تفاخر أم هاني بذكاء طفلها مستندة إلى علاماته المدرسية. هو
بالفعل طفل ذكي ولكنه هل هو فائق الذكاء؟ يرى التربويون أن ليس هناك طفل
غبي وآخر ذكي بل كل الأطفال أذكياء إذا عرفنا كيف نحترم نمط تفكير كل منهم
وإيقاع استيعابه. بيد أن الطفل الفائق الذكاء له مجموعة صفات معينة. وفي
المقابل لا يمكن الجزم بما إذا كان فعلاً متفوّق الذكاء إلا من خلال إخضاعه
لاختبار الذكاء المعروف بالـ
' لها' التقت الاختصاصية في التربية فرح تميم التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.
بداية ترى فرح تميم أنه لا يمكن التأكد من الطفل الفائق الذكاء إلا من خلال إخضاعه لإختبار الـ, اكتساب سريع وعميق للمعلومات، وقدرة على تعلّم لغة جديدة بشكل سريع.
وتشير الاختصاصية إلى أنه إذا لاحظت الأم أن طفلها يتمتع بكل هذه الميزات أو معظمها يمكنها إخضاعه لاختبار الـ
- ما هي المشكلات التي تواجهها هذه الفئة من الأطفال؟
من المشكلات التي يواجهها الأهل مع الطفل الفائق الذكاء أنه سريع الانفعال
بسبب التباين بين نموّه الذهني ونموّه الانفعالي العاطفي. فحاجاته
العاطفية تشبه حاجات أقرانه بينما قدراته العقلية متقدمة عليهم، وهذا ما
يعرف Dyssynchrony syndrome الذي وضعه جان شارل تيراسييه وهذه مشكلة
رئيسية. تكون قدرات الطفل المتفوق الذكاء العاطفية والحركية مثله مثل باقي
أقرانه فيكون حسّاسًا جدًا ويرفض الظلم ويلجأ إلى الدفاع عن نفسه بطريقة
عنيفة. كما يواجه مشكلة في الكتابة فالقدرة الحركية لديه أبطأ من فكره، مما
يجعل خطه سيئًا لأن حركة يده لا تلازم نمط تفكيره، لذا لا يجوز للمعلمة أو
الأم الإصرار عليه لتحسين خطّه، فالكتابة وسيلة للتعبير ويمكن الشرح له
لمَ عليه تحسين خطه وأنه إذا عرف كيف يحسّن خطه سوف يخفف عنه الكثير من
الأمور.
وقد يعاني مشكلات أكاديمية واجتماعية نتيجة عبقريته. فهو قليل
الصبر يريد إنجاز ما يقوم به بسرعة، فيواجه مثلاً مشكلة مع من يلعب معه،
إذا لم يكن على المستوى الفكري نفسه، ويبدي حرصاً كبيراً على الأمور التي
تهمه، ويصاب بالإحباط عندما لا يجد نشاطاً يقوم به، ويشعر بالحزن إذا رفضه
الآخرون أو انتقدوه مما يجعله منزوياً أحياناً يفضل عدم الاقتراب منهم أو
التواصل معهم.
إضافة إلى أنه لا يتغاضى عن الهفوات التي يرتكبها الغير
مما يثير تذمر من حوله، رغم أنه يتوق إلى التواصل مع محيطه، ويفضل عدم
تدخلّ أحد في شؤونه الخاصة. وغالباً ما يعيش حالة قلق من الطريقة التي أنجز
فيها عملاً ما فهو يسعى إلى الكمال في كل ما يقوم به، مما يعرقل أحياناً
تقدّمه. كما أن الاكتساب السريع للمعلومات واستيعابها قد يسببان له الملل
في الصف فلا يتابع ما تعطيه المعلمة وقد يتحوًل إلى مشاغب، مما يؤثر سلباً
على أدائه المدرسي وبالتالي تتدنى علاماته، وقد يؤدي الأمر لاحقاً إلى عدم
رغبته في متابعة دروسه الأكاديمية. إجمالاً هؤلاء الأطفال يدركون ذكاءهم
ويعرفون أن الآخرين لا يتنبهون إلى قدراتهم الذكائية مما يسبب لهم شعورًا
بالظلم.
هو اختبار بسيط مكوّن
من أسئلة ترتكز على المنطق وسرعة البديهة وغيرها من المهارات الذكائية،
تطرح على عدد من الأطفال من فئة عمرية معيّنة، فإذا نال طفل معدلاً أقل
بكثير من المعدّل العام الذي هو 130فهذا مؤشر لأنه أقل ذكاء من الفئة
العمرية التي ينتمي إليها.
ومن ينال أعلى من المعدّل المطلوب تكون
لديه قدرات ذكائية تفوق من هم في سنّه. عمومًا تشير الدراسات إلى أن الطفل
الذي يكون نتيجة اختبار الذكاء عنده أعلى من 130 يعتبر طفلاً فائق الذكاء.
اكتشف طبيب الدماغ الأميركي هوارد غاردنر بعد أن أجرى جراحة في المخ أن دماغ الإنسان مؤلف من ثماني مناطق، تعرف بمناطق الذكاء وهي:منطقة اللغة.
وبحسب
هذه الدراسة فإنه من الضروري تطوير هذه المناطق الثماني وتعزيز تفاعلها مع
بعضها حتى يتمكن التلميذ من تطوير استيعابه لكل المواد المدرسية. وهكذا
نُقضت مقولة أن الطفل الذكي هو البارع في الرياضيات واللغة فقط . فكل إنسان
لديه ثماني مناطق ذكاء. ما أعنيه أنه إذا كان استيعاب التلميذ ضعيفاً في
الرياضيات، فإن الطريقة التي تساعده في الاستيعاب قد تكون بتعزيز إحدى
مناطق الدماغ التي تساعده على الفهم وبلورة قدراته الأكاديمية.
وهذا
لا يعني أن فائق الذكاء يكون متفوّقًا في المناطق الثماني بالضرورة، بل هو
في مجال معين يكون مستواه مرتفعًا جدًا. فالأطفال الذين تكون نسبة الذكاء
لديهم مرتفعة في جميع مناطق الذكاء فهم النوابغ أو العباقرة، فيما فائق
الذكاء يكون في منطقة أو منطقتين، أما في بقية الأشكال فيكون مستواه
طبيعيًا، أي يتميز بذكاء معين.
- ماذا على الأهل أن يفعلوا حين يثبت لهم اختبار الـ
يحتاج الطفل الفائق الذكاء إلى معاملة خاصة من الأهل والمدرسة، وضروري
حصول تعاون بينهما ليستطيع هذا الطفل التكيّف مع المجتمع حوله وبلورة
ذكائه، وذلك من خلال وضع برنامج تربوي ومنهجية تناسب ذكاءه. وإذا لم نفعل
يلاحظ نشاطه المفرط في الصف فيما في المنزل يشعر بالراحة أكثر لأن ليس هناك
من يجعله يشعره بالملل، وهذا مختلف عن الطفل الذي يعاني اضطرابات النشاط
المفرط. ويجب على إدارة المدرسة إتخاذ التدابير الضرورية من أجل أن يكون
دورها مكمّلاً لدور الأهل في التعامل مع الطفل.
- لماذا يرسب بعض التلامذة الفائقي الذكاء رغم أن المدرسة والأهل وضعوا برنامجًا خاصًا بهم؟
لأن متابعة الأهل والمدرسة اقتصرت على فترة محددة في حين أن المتابعة يجب
أن تستمر إلى أن ينهي المرحلة الثانوية لأنه سوف يجد دائمًا أن لديه قدرات
تختلف عن قدرات أقرانه. وتشير الدراسات أن 30 في المئة من التلامذة الفائقي
الذكاء يتسرّبون من المدرسة لأنهم يصلون إلى مرحلة يعتبرون أنفسهم فيها
أنهم موجودون في مكان ممل لا يشبع فضولهم المعرفي ولا يلبي حاجاتهم
الذكائية و ليس هناك ما يحفزهم على التعلّم.
كل هذه العوامل تؤدي إلى
الرسوب وبالتالي إلى التسرّب المدرسي. لذا أؤكد ضرورة متابعة التلميذ
الفائق الذكاء إلى حين انتهاء دروسه الثانوية لأنه عندما يدخل الجامعة يعرف
ماذا يريد وأي اختصاص جامعي يريد متابعته ، فهو صار في استطاعته إدارة
ذكائه. مثلا يدرك أنه بارع في الرياضيات فيختار هذا المجال وينجح فيه
بتفوّق. وحين يستمر الأهل والمدّرسون في متابعة التلميذ الفائق الذكاء فهم
يساعدونه في تطوير ذكائه وبالتالي لن يكون مثل غيره، بل قد يصبح في
المستقبل مخترعًا أو مميزًا في المجال الذي اختاره.
- دائمًا
تربط العلامة المدرسية بذكاء الطفل وأنت تؤكدين أن لا علاقة بين العلامة
المدرسية والذكاء، ولكن في النهاية العلامة المدرسية تهم الأهل خصوصًا في
المرحلة الثانوية التي تهيئ للدخول الجامعي. هل التدابير التي تنصحين الأهل
بها توصل التلميذ الفائق الذكاء إلى درجات عالية؟
طبعًا، إذا وضعوا
استراتيجة تربوية تحفزه على التعلّم، سوف يركز في الصف ومن الطبيعي أن تكون
النتيجة المدرسية عالية. إذا كان لديه الحماس والثقة بالنفس ويجد أن كل من
حوله يهتم به في الصف والمنزل تصبح لديه لذة التعلّم، وتطوير ذكائه.
لذا لا يمكن أن نقول إنه ذكي رغم درجاته المتدنية أو رغم سلوكه السيئ في
الصف، بل على الأهل والأساتذة أن يضعوا إستراتيجية ليكون سلوكه في الصف
منسجمًا مع البرنامج. المهم أن يتأكد الأهل أن طفلهم فائق الذكاء كي لا
يظلموا طفلاً ذكاؤه عادي.
- هناك بعض الأهل يدرسون طفلهم البرنامج المدرسي للسنة المقبلة لأنه فائق الذكاء، ما الأثر السلبي على التلميذ؟
لا
يجوز مطلقًا أن يقوم الأهل بذلك،لأنهم سيواجهون مشكلة أكبر. فهو في الأساس
يعرف أكثر من غيره، وفي إمكانه استيعاب كل ما يعطى له خلال العام المدرسي
في15 ساعة. هذا ما أثبتته الدراسات. فإذا علموه البرنامج قبل أوانه فإنهم
يعجّلون في تدمير ذكائه لأنه سيشعر بالملل في الصف وبالتالي يؤدي الأمر إلى
رسوبه، في حين أن على الأهل خلال الإجازة أن يطوروا القدرات الاجتماعية
والجسدية لطفلهم. كتحفيزه على الألعاب التي تستند إلى التفكير لأنها تجعله
أمام تحدٍ، وهذا ما يحبه أصلاً.
المطلوب من الإدارة المدرسية
مرونة
في البرامج التعليمية كالسماح بانتساب الطفل إلى المدرسة في سن مبكرة،
وتجاوز الصف والانضمام إلى صف أعلى أو متابعة مقرر مدرسي أعلى.
المطلوب من الأهل الذين لديهم طفل فائق الذكاء أوّلاً تشخيص الحالة أي إخضاع الطفل لاختبار الـ IQ، ويكون ذلك عند اختصاصي.
دراسة علمية Paradoxal sleeping
أثبتت دراسات علم النفس الخاصة بالأعصاب أن نوم الـ Paradoxal sleeping ،
أي الجزء الفكري في النوم حين يبرمج لاوعي الإنسان كل المعلومات التي
تلقاها الوعي خلال اليوم، أن مرحلة تنظيم الأفكار والمعلومات نسبتها عالية
جدًا عند الأطفال الفائقي الذكاء ، ووجدوا أن دماغ هذا الطفل لديه قدرة
عالية على المرونة، و أن الانتقال بين أعصاب الدماغ سريع لذا لديه قدرة
عالية على تلقي المعلومات وإعطاء الكثير منها ليس فقط من ناحية الكم ولكن
أيضًا لجهة النوعية، فهو يفكر بطريقة مختلفة عن الآخرين، أي أن قدراته
البيولوجية تساعده في أن يكون حاد الذكاء.