منتديات فراتيات من ذهب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر

قصة أتمنا تعجبكون

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل
كاتب الموضوعرسالة
أبو أديب
أبو أديب


~ياسمين نشيط~

~ياسمين نشيط~
معلومات اضافية
الجنس : ذكر
♣ مشآرٍڪْآتِڪْ » : 59
العمر : 35

قصة أتمنا تعجبكون Empty
مُساهمةموضوع: قصة أتمنا تعجبكون قصة أتمنا تعجبكون Icon_minitimeالثلاثاء 12 يوليو 2011, 10:01 pm

بأقلامكم

اسم القصة: السلّم الخشبي

الكاتب : مصطفى أيوراس

دخل الشيخ أحمد ، الرجل الستينيّ ، السوق . بقميصه الأزرق الفاتح ضيّق الأكمام و بنطاله القماشيّ الأسود . و حاله الإبتهاج . و بين الحين و الآخر يلوّح بصولجانه المنقّط بالسوّاد
كان السوق يعجّ بالمارة ، و أصحاب الحوانيت مشغولوّن داخلها بالمفاصلة مع الزبائن . و على مقربة منه ، تناهى إلى سمعه صوت أحدهم يسأل الآخر عن الوقت ، فعرف

الشيخ أحمد أنها
الخامسة مساءً و صار عليه بذلك أن يحثّ الخطى
الشيخ احمد يعمل كحارس ليليّ في السوق . قبل أن يغادر بيته ، يقف على الباب المطلّ على الحارة و ينادي بأعلى صوته على آخر ابنائه ، و لما يطمئن أنهم جلسوا غلى كتبهم المدرسيّة بقرب
السماور الذي يغليّ ، يخرج و هو يمنيّ نفسه بأن يعود عند الفجر و بيديّه شيئاً للأطفال.
قبل قليل نادى عليه ” محمد خليل ” ، و ليس من المألوف أن يستدعيّه الرجل . لولا أن وراء هذه الخطوة سبباً كان من الصعب تلافي رأي الشخص الوحيد الذي يمكن الإعتماد عليه فيه و الإفتاء
به . قدّم له محمد خليل فور وصوله تنكتين . حدس ما فيهما من النظرة الأولى . و لم يكن في الحانوت سواهما و رجل آخر غريب لم يعرفه ، كان يقتعد كرسيّاً خشبيّاً في زاوية المحل ، لكنه قدّر
بأنه تاجر جاء يعرض زيته على محمد خليل ، و الظاهر أن محاولات محمد خليل في تجنب طلب مشورة الشيخ قد باءت بالفشل فبعث في طلبه ، و ها هو الرجل الستينيّ يقف بباب المحل و يردّ
السلام..

- أهلاً .. أهلاً بالشيخ ، بركتنا و نوّارة السوق . تعال اقعد ، لا و الله حلفتْ .. أعرفك ” أبو مازن ” ، تاجر مخللات و طُرشي و أحياناً مُعلبات ( صح يا أبو مازن ؟ ) ، و اليوم جاب لي تنكتين
زيت زيتون . و أنا و بصراحة غشيم في الزيت و خائف أن يكون زيت إحدى التنكتين قد فقس



قاطعه أبو مازن بصوت ٍ رفيع غالبه حشرجة استنكار..
- له ، تف من فمك يا ” محمد خليل . ” يعني أنا أريد أن أغشك لا سمح الله ؟ الزيت زيت السنة ، و أنا سمعتي مثل المسك ، أسأل..
- معاذ الله يا أبو مازن . لكن الواحد يحب أن يثطمئِن قلبه . ها ؟ ماذا صار معك ؟ كيف وجدت لي الوضع ؟ ..
خلال الحوار القصير الذي تجاذبه أبو مازن و محمد خليل ، مدّ الشيخ يده المعروقة إلى التنكتين ، غارزاً أصبعه فيهما الواحدة تلو الأخرى . و قد شعر بطعم الزيت من غير الزيت و أصبعه لا يزال
في فمه . بدتا عينا ” محمد خليل ” تتوهجان بترقب ٍ شابه فرط الصبر . أما أبو مازن ، فبعثَ ببصره إلى البعيد كأنما يشيحُ بهما عن منظر مُعيب و ظلّ يتنحنح حتى بعد أن غادر الشيخ و في جعبته
زجاجة صغيرة مملوءة بالزيت ، نفحه إياها محمد خليل مجازاة ً له على ما أسماه المعروف .

و في طريقه إلى ناحية السوق الأخرى ، بدأ يلاحظ الناس يتجمعون زرافات زرافات ، و لم تصح ظنونه إلا بعدما لمح سيارة شرطة واقفة على مقربة من الرصيف . كان عطا ثملاً تماماً بشعر ذقنه
الكثّ و رجليه المترنحتين ، و قد تقدّم منه شرطيان حاولا إقناعه و إدارة حديث معه ، لكن أي من ذلك لم ينفع . كان ثملاً و يقدِرُ على ارتكاب جريمة و إنهاء المواجهة بمجزرة . اخترقَ الشيخ
أحمد الحلقة المؤطّرة للمشهد ، و كونه حارس السوق الليليّ ، أرادَ أن يتدخل فيوصل الحادث إلى بر الأمان أو قل أقل خسائر الممكنة . لكن عطا ظلّ صامتاً و رعشة تتقافز فوق صدره و جنبه و
خاصرتيّه . توسط الحلقة التي ضربها الناس المذهولون حوله ، و هو في مركزها لا يريم . عطّنته رائحة العرق الزنخة ، و تحت إبطيّه شوهِدتْ بقعتيّن غامقتيّن .
زادَ الموقف حرجاً أن الشرطيين تشاجرا ، بل و تبادلا السِباب . حتى أن عطا ضحك و كاد أن يسقط من أثر الشماتة لكنه تمالك نفسه و أنقذ جذعه في آخر لحظة من الوقوع . و في تلك اللحظة
تغيّرتْ ملامحه فغدا أكثر إتزاناً ، و بعد أن مدّ يده إلى جيب سترته ، بحركة خاطفة ، أشهرَ موسى.


و ركل زجاجة البيرة التي كانت طيلة الوقت محاذية ً لساقه فتحولتْ إلى شظايا و تناثر السائل على الإسفلتْ و تعالتْ الصيّحات و تحوّل الشرطيّان إلى ما يشبه المهرجين في حلبة سيرك . و إذ الشيخ أحمد بات قريباً جداً من موضع الشرطيين ، سمع صوت بكاء طفل حاول أن يعرف مصدره بإلتفاتاته المتكررة لكن بلا جدوى . ثم لم يجد نفسه إلا و قد تجاوز الشرطيين مواجهاً عطا الذي أخذ يتنفس بصعوبة و الموسى يشدّ عليه براحته..

- عطا يا أخوي . اخزي الشيطان و ارمي الموسى من أيدك و أنا قدّام الخلق كلهم أضمن لك أن لا أحد يصيب ظفركْ.
هكذا تعالى صوت الشيخ أحمد بمهابة و هو ثابت محنيّ القامة قليلاً إلى الأمام.
- إيه ! و حياة أختي . الذي يقرّب مني إلا أمزّع وجهه ! .. أنتم تظنون أنني ضعيف .. لا لا
و استسلمَ جسده النحيّل إلى كحة اهتزّت لها عظامه . طالتْ الكحة و شرع عطا بالبصاق و سقط منه الموسى أرضاً . فأغشاه التعب و تهالك على ركبتيّه و أحنى رأسه على صدره ، الذي لم يسلم من الكحة لحظة ً واحدة.

تراءى للشيخ أحمد الشرطيّان و هما يقتربان على حذر ، فالتف بوجهه إليهما موليّاً عطا خلفه ، فاتحاً ذراعيّه على اتساعهما محوّطاً عطا الذي كان ملقى على الإسفلتْ تتناهشه الحشرجات.
صرخ الشيخ أحمد بتضحيّة و إفتداء و ظهره يحاذي شيئاً فشيئاً عطا و قدماه تعودان إلى الوراء . لكنه صرخ صرخته الأخيرة ، إذ تبيّن أن عطا قفز من خلفه طاعناً إياه في رقبته.
جحظتْ عينا الشيخ أحمد و تغضّنتْ ملامحه ثم انهار كشجرة معمّرة


البلد في حالة حرب و الفوضى تستشري بين العباد . لقد أفضتْ الحرب إلى أن يتم وضع الدستور و إيقاف العمل بأحكامه و إعلان حالة الطوارىء ، التي بعثتْ في جسد البلد نوعاً من الخدر ،و الذي تفتّق بدوره عن نهم الذين لم يشاركوا في الحرب و الذين ركنوا إلى مخادعهم و اختفوا خلف مكاتبهم ..
فأضحتْ البلد على كف عفريت و انتشر الفساد و ضاقت في العيون الآفاق و لم يجد الناس حتى في مخفر الشرطة العزاء و السلوى..

مضتْ ستة أشهر على محكوميّة عطا في السجن ، داومتْ ابنته الوحيدة نجوى خلالها على زيارته جالبة له معها زاد يتكون من الخبز و العسل و بضع حبّات التمر . طلب إليها أن تحضر زجاجة
بيرة في إحدى الزيارات التالية ، متعهداً أن يمررها دون أن ينتبه أحد . لكنها رفضتْ و لم تدفع دموعه إلى ثنيّها.
كانت تقف أمام السيّاج الفاصل و أصابعها القليلة ، التي عبرت الفتحة الضيقة بالكاد في كف أبيها ، الذي كان ينحني فيقبّلها و يلثمها بنشوة و الدموع تُخضّل لحيته و وجهه . أخبرها أنه بات يخاف عليها وحيدة ً ، و أنه من الظاهر إستحالة خروجه أو معرفة مصيره ، بما أن لا محاكمة له قد جرتْ حتى هذه اللحظة .
و لذلك لا بّد أن يُطمئن قلبه عليها و أن تكون في مأمن يوفّر عليها و عليه
الشعور الداهم بالخطر ، و يحد من القلق المتشجّر في خاطره . و إذا كان الأمر كذلك ن فلا مفر من أن تقترن بزوج يحميها و يطعمها لقمة الخبز . رغم أنها لطالما رددتْ على مسمعه أكثر من مرة رفضها للفكرة و استبعادها لخيال زوج ينتصبُ في باب الدار عند كل ليلة



اشتدّ إوار الحرب فسقطتْ جبهات و تندّتْ جباه و افتضحتْ أكاذيب ، و استفحل شبق رجال المخفر إلى مصادرة أملاك الناس . و ظلّ مَنْ يلبسون الزيّ الأخضر يغطسون في مقاعدهم . و أبواب تُفتح و ثانيّة تُغلق .و بين كل صفقة لباب و التي تليّها ، كانت وجوه مُتعبة تُطلّ و وجوه تغيبْ.

و لم يكن في وسع الناس إلا الإذعان و الخضوع للأمر الواقع . بينما انتقل إلى المخفر من البقر و الدجاج ، أثاث البيوت .. السجاد و الأسرّة . الخزائن الكبيرة و الصغيرة ، مما فاق المعقول وبعث على الشفاه التذمّر و شكّكَ الناس في حجّة المخفر الرسميّة ، من أن البلاد تمرّ في حالة حرب و لا بّد من تقديم الدعم و المبادرة إلى التضحيّة.

إلا أن الشيء الوحيد الذي نجا من أيديّ رجل المخفر هو الراديو . إذْ حَرصتْ إدارة المخفر و القائميّن على سلطة المنطقة ، على أن يكون الناس في قلب الحدث و أن لا تفوتهم فائتة مهما بلغت من الصِغر و الثانويّة..

و حدث ما لم يكن في الحسبان . كانت نجوى يومها في زيارة أبيها . نفت له كالعادة حوزتها على النبيذ ، و لم يشتملْ كذلك حديثها على أي جديد . رفضتْ مثل أي وقت ٍ مضى عرض أبيها بأن تتزوج ، و شرعتْ تلقمه من بين الفتحات الصغيرة قطعاً من الخبز المغمّس في العسل ، و وجه الأب يصبغه الحبور و تسكنه سعادة طفل رضيع بين يديّ أمه..

في حجرة أخرى قريبة أكثر رحابة ً ، لا تشتمل على سياج . انفضّ ثلاثة رجال موفوريّ الصحة متكاسليّن عن صحن نحاسيّ كبير احتوى كما هو واضح من الفتات المتبقيذ على اللحم و البرغل
. انزوى كل واحد ٍ منهم في مقعد و شرعوا في حديث مفكك تلبّسه التجشأ و السِحن الشبعانة محمّرة الأنف..
قال أحدهم ، الذي جلس بدوره خلف المكتب و عودة خشبيّة لا تسقط من فمه:
ها ؟ حدّثنا يا شهريار ! . كيف حال المنطقة عندكم ؟ و لا تخفي عني أي شيء يا بكّاش ! -
و يبدو أن مَن توجّه إليه الحديث و الآخر الذي جلس قبالته ، كانوا في ضيافة المخفر ، رؤساء مخافر شقيقة..


و اندمجَ الرجال في جو ٍ صاخب . أطلقوا النكات على سجيّتها . تهكموّا و سخروا . تشقلبوا في كراسيهم ، و تبادلوا الضربات الخفيفة على قفا الرقبة . و بين الفينة و الأخرى كانت الضحكات والقهقهات العاليّة تتقافز في الممرات ” هأ هأ هأ .. هيْ هيْ ،عا عا عا .. هو هو هو ووو .. ” ، و لم يكن في الحجرة سواهم و الأثاث .. و راديو موضوع على رفّ قرب منفضة سجائر ممتلئة عن آخرها بالأعقاب و الرماد . و من اهتزاز الراديو المستمر تكتشف أن أحدهم قد أخفض مفتاح الصوت إلى الحد الذي لا يُسمع فيه أي صوت . و لو قدّر لأحدهم أن ينهض كأن انتبه للإهتزاز

أو راوده الشك .. لسمع أخباراً لا تسر ، أخبار الهزيمة!

خللتْ نجوى أصابعها النحيلة الرقيقة لحيّة أبيها ، الذي ألصقها بدوره السياج الحديديّ . و غنّتْ له بصوت أنثوي بسيط أغنيّة ً يحبها ، ترنّم لها الشرطي الذي يقف على مقربة ، و طفرتْ لها
دمعة في طرف عينيّ أبيها المتألمتين . ثم سمعتْ شخيره و هو لا يزال متشبّثاً بأصابعها الوحيدة بعيون ٍ مُغمِضة.

انفرجَ أحد الرجلين المتقابلين في جلسته ، مُفسحاً بين فخذيّه ، كاشفاً عن معدة تحدّبتْ كالجبل . كان الحديث الدائر عن النساء ، و قد أفرد رئيس المخفر النساء إلى أصناف : منهّن الطويلة
نحيفة القدّ ، و منهّن القصيرة الممتلئة . لكنه على حد قوله يُفضّل التي لا هي بالطويلة و لا القصيرة رشيقة القدّ ، بضّة الزند ، جميلة التقاطيع .. صدرها كالرمّانة . تدّلتْ للحديث الشفاه ، وأرهفتْ له الأسماع ، و أصاب المجتمعين وجوم كأنما أرواحهم تحومُ فوقهم . امتدّت السيقان و تراختْ العضلات ، و ازداد الحديث تشويقاً بالذات عندما انتهى رئيس المخفر من كلامه مُفسحاً المجال للضيوف الذين كما يبدو ظهر عليهم الحماس ، و هم يقصّون عليه مغامراتهم . لم يكف الراديوانذاك عن الإرتجاف و الإهتزاز بعصبيّة ، لكن أحداً لم يرمه و لو بنظرة واحدة..


غادرتْ نجوى بعد أن شعرتْ بقلبها أنها أسعدتْ أبيها و أدخلتْ إلى نفسه السرور . سُمِحَ لها هذه المرة أن تجلس و إياه فترة ً أطول من أي فترة ٍ سابقة ، و قد مطّنها ذلك من أن تغرس في
قلب أبيها بذرة أمل ، و تغذيّها بفكرة أن يؤخذ بعين الإعتبار أنه كان ثملاً تماماً أثناء ارتكابه القتل . استعادتْ كل هذا و هي تستعد للخروج من المخفر . قام الخفير الرابض أمام الباب الخارجيّ
بعمل تفتيّش أخير لها . و لم يراودها أي خاطر عما كان يدور في رأس الشرطيّ.
لشدّ ما أغراهُ جيدها الأبيض و شامة سوداء حلوة كأنها صخرة انحدرتْ من على سفح جبل و استقرّتْ في الطريق إلى الكتفين . ليستْ هذه المرة الأولى التي يتم تفتيّشها . نفس الشرطيّ قام
بذلك بكل أدب و تهذيب فيما مضى . لكنه وقع هذه المرة .. و لم يتمالك نفسه . شعر بها حارة و طريّة ، بخصلات سوداء انثالتْ من على جبينها . حسنة الطالع ، مزهرة الوجنتين ، مليحة الوجه . أحسّ بها تقف على صدره لا على الأرض .. و أنفاسها باتت تلفحه . مدّ أولاً يداً راجفة و طوّقها و جذبها إليه بكل ما أوتي من قوة . حاولتْ الإفلات و التملّص ، ضربت بكفيّها وجهه
و صرختْ . لكنها صارتْ في ذهنه اشبه بطوق نجاة في موج ٍ عات ٍ مُصطخبْ بالشهوة .. يعذّبه و يقهره .ُ
قاء المخفر أمعاءه عند العتبة ، و تدافع الخفراء و تعالى النداء .دوّتْ في الممرات خطو أقدامهم خبط عشواء ، و تشابكَتْ ألفاظهم و حالتْ إلى أن تستعصيّ على الفهم . خلصوّها من بين ذراعيّه
، و انهالوا عليه ضرباً و شتيمة مطوحيّن به من على الدكّة إلى الرصيف..

اقتيّدتْ في نهاية الأمر خلال مجاز ٍ طويل إلى باب لا يشبهه أي باب ، و كانت أصوات ضحكات تزداد و تعلو كلموا تقدموّا في السير . انتهى بها المطاف و الباب يُفتح . بعدما سُمِحَ للطارق
بالولوّج ، عن ثلاثة رجال انقلبوّا فوق المقاعد و قد احتضنوّا الطنافس بكلتا الذراعيّن.
شاهدتْ الباب يُصفق ثم يُدربس بالمفتاح ، و شاهدتْ وجوهاً تنهض و سراولاً و قمصاناً تتفتق و تُخلع و ترمى جانباً . أرادتْ أن تصرخ ، دارتْ بعينيّها في سقف الغرفة بحركة دون معنى.
خُيّل إليها القبعّاتْ السوّد غرباناً تتوسد مساند المقاعد تحدّق فيها . فقدتْ نفسها و شعرتْ بعافيتها و قوتها و عزمها تخور و تتكاثف بركاً صغيرة خلفّها مطرُ سحابة تكشّفتْ أخيراً عن شمس
لاهبة لا ترحم . اقتربوّا ثلاثتهم حتى ضاق الأفق و اختفى أي شيء ٍ آخر سوى رائحة العرق و الزنخة ..
أما الراديو فكان يرتجّ على الرفّ ، و قبل أن يتلاشى انفعاله و تأثّره ن أصابته حاله مثلما تكون بالدبيب و الحبو و الوقوع في الصفر.

ها قد انفكّ قيده و انفلتَ سراحه . منذ ما ينيّف عن ثلاثة أشهر تقريباً من وضع الحرب لأوزارها و استتاب الهزيمة.
عرفتْ أن نشيشاً من كلام الناس وصل إلى زنزانته . امتنعتْ عن الذهاب إليه طيلة الفترة الماضيّة . انقادتْ إلى دموعها و العزلة . لم تسحبْ المزلاج عن وسط الباب لأي ٍ كان ، و شعرتْ به
يعجّ في أحشائها ، ابن الحرام ، يكاد يقفز في أي ثانيّة و يصخُبْ العالم بغناء طويل ٍ فاجر..
فكّرت مِراراً أن تُسقِط الجنين و تجهِضه ، إلا أنها عَدِلتْ عن الفكرة لاحقاً . لقد وصل الخبر كالحجر الذي يُلقى في البئر فيُسمعُ للأعماق صدى ، فما من شيء ٍ يمسح الذي وقع و لو حتى موته.
كانتْ تصعد عالياً ثم تهبط عنه كما صعدت . تحمِلُ ثقيلاو تتركه عنها . ضاقتْ بها الحياة و صار اليوم كابوساً لا يأتي بالجديد . عصفتْ بها الهواجس و عذبّتها الأوصاب و امتزجتْ مشاربها
بالكرى . و لم تخرج و لم يأت ِ إليها أحد مُطلقاً.
و عندما سَمِعتْ صوته من خلف الباب ذات يوم كانت تنشرُ فيه الغسيل في الحوش . توجّستْ في نفسها شرّاً . و اعترتها رغبة جامحة بأن تنشّق الأرض و تبتلعها دفعة ً واحدة و إلى الأبد.
أو أن تفقد الذاكرة و لا تعود تذكر شيئاً . و لولا أن أصوات غفر ٍ من الناس المتجمهريّن طرقتْ مسمعها من الخارج مؤكدّة عفو أبيها عنها و تفهمه لما وقع لها على أنها ضحيّة لا يد لها
فيه و لا حول . ما كانت تفتح الباب ، لولا أنها أمّلتْ في أبيها القلب الرؤوم و النفس الطيبة الرحيمة . و ما أن فتحتْ الباب حتى ارتمتْ في حضنه ، و انخرطا في بكاء ٍ نشيج ٍ عميق استجابَ له الناس فبكوا معهما و عليهما..

صارتْ لا تفلتْ من تحديقاته المستمّرة . كلما كَبُرَ بطنها ، ازدادتْ الهوّة بينهما و زاد الفراق و الشقاق قُدّر لها أن ترى الإبتسامة تتحول إلى أشلاء فوق شفتيّه . و وجهه الهرم بخيوطه الأشبه.
بطرق متعرجة تتخاصر و تضيّق و تفضي إلى مقبرة . ملامحه الحادة ، و عبوس شفتيّه كأرنبة الصقر . كل هذا و ما كان يرافقه من مراقبته لها في الخفاء و إحاطته إياها بنظرات الإشمئزاز و
التقزز . شكّل لها كل ذلك إحساس سمكة وقعت في الشباك ، و إن كان الناس و يا للغرابة يقفون في صفّها على غير الدارج و مما هو ليس مألوف ، يتعاطفون معها و يحنوّن عليها و يتحسسون
مُصابها و ينفحونها من الحب أكثر من ذاك العجوز ، الذي لا يكفّ من أن يزوّرها فينفيّها عن ذاتها و عن الوجود إلى لا شطّ و لا نجاة..

مهما قالوا له و مهما عزوّه و واسوه ، فإن ذلك لم يكن ليخفف من وطأة الشعور بأن جداره الأزليّ ، ابنته ، بات مخروماً و مستباحاً . لقد سرقوا القمر ! ، هذا الذي كان بوسعه أن يقوله لاي
زائر يفد إليه . وجد نفسه فجأة ً في مواجهة طفل لا أب له و حفيد آباؤه كثيرون في ذات الوقت . بأي بشاعة سيأتي ؟ بعزيمة رجال لم يقاتلوا قط ؟ لم يخوضوا حرباً أبداً ؟ ، أم بملامح قاتل
عذره أنه كان ثمِلاً تماماً لحظتها ؟ و أن ذلك لا يبرر الجريمة ؟.

انتشله من غيبوبته المتكررة و هو جالسٌ على الحصيرة منظرُ ساقيها النحيلتيّن ، و من فوقهما تدلّى بطنها و ثديّاها الضامران . كانت تبحثْ بيديّها جاهدة ً عن شيء ما على العليّة ، و قد
استعانتْ بسلم خشبيّ لتصل إليه ، عندما شعرتْ بالسلم ينتقل إلى الوضع الأفقيّ ، فلا السماء ظلّت فوق و لا الأرض تلقّفتْ جسدها حيّاً .. لقد ماتت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نسيتك بهدوئي
نسيتك بهدوئي


الأدمن

معلومات اضافية
الجنس : ذكر
♣ مشآرٍڪْآتِڪْ » : 786
العمر : 35
الموقع : في قلب من يحبني

قصة أتمنا تعجبكون Empty
https://marry.yoo7.com
مُساهمةموضوع: رد: قصة أتمنا تعجبكون قصة أتمنا تعجبكون Icon_minitimeالأربعاء 24 أغسطس 2011, 7:24 am

ماخلصت قرائتها الا طالعا عيوني :اننننه:

مشكووووووووووور قلبووووووووووو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
قصة أتمنا تعجبكون
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات فراتيات من ذهب :: مملكة التسلية والترفية :: مملكة كان ياما كان-